وهم تعارض الفلسفة

فاطمة العتيبي                                                                                                            


إن البحث عن الحقيقة هو مدعى وجود علم الفلسفة، وكذلك أيضًا الدين يسعى إلى توضيح وبيان الحقائق وينبذ التظليل والكذب، إذا كانا يتفقان في هذا الأمر؛ لمَ لا يزال البعض يعتقد أن الفلسفة لا دينية، وأن موقف الإسلام من الفلسفة موقف تعارض واستنكار؟!


 لعلنا أصبحنا أكثر عرضة لاستقبال المفاهيم بفكر مهزوم دون التحري في أصل الأمور وجذورها نتيجة لسرعة انتقال المعلومات في وسائل الإعلام، فاليوم من يدري ماهي الأقاويل وماهي الحقيقة؟


نعرف عن الفلاسفة مدى تحرر عقولهم وانفتاحهم في التفكير، ولكن هذا لا يعني أن تتضارب رغبتهم في الحياديِّة واتخاذ الفردانية منهجًا مع الدين.

لأن العلوم شيء والدين شيءٌ آخر، وليس بالضرورة أن أحدهما يعيق الآخر ، الخوف من السؤال والبحث والتقصي على الأرجح أثار قلق متدينٍ يلوم نفسهُ في طرح الأسئلة عن الوجود الكوني،ولكن حقيقةً؛ أين تقف الفلسفة في صفّ الدين تحديدًا.. هل تقطعهُ في نقطة ما وتتجاوزه؟

إن قليلا من الفلسفة تتجه بعقل المرء نحو الإلحاد، أما التعمق فيها فمن شأنه بالضرورة أن يقود عقول الناس نحو الدين

الفيلسوف البريطاني فرانسيس بيكون

لابد لنا أن نُعرِّف ماهية الفلسفة ونرجِع إلى أصلها، ولقد تعددت تعريفاتها لأهميتها، ولكن بشكل عام تُعرف "أم العلوم" بأنها:

دراسة المعنى والمبادئ الكامنة وراء السلوك، والفكر والمعرفة والمهارات، والقدرة على التحليل والتشكيك في الأصول والتعبير.  

أما عن نشأتها وتاريخها؛ فقد سبق فلاسفة بلاد ما بين النهرين الإغريق بثلاثة قرون! ومنهم أحيقار الحكيم، وفلاسفة حضارة وادي النيل، كما ظهرت الفلسفة التاوية والكونفوشيوسية في الصين، فيما لم يظهر فلاسفة اليونان إلا بعد القرن السادس قبل الميلاد، ولكن الفكر الغربي لعب دورًا في تظليل حقيقة نشأة الفلسفة الحديثة والتحري بأن منشأها إغريقي، وتطوريها عبر فلاسفة أوروبيون، بينما واقع منشأ الفلسفة بدأ شرقيًا، ولكن اندثر معظمه مع مرور الوقت على نقيض الحضارة اليونانية وهي الوحيدة التي وصلت إلى العالم بكامل تاريخها. 


هناك علاقة وثيقة بين الفلسفة والدين، برغم التهورات الفكرية لبعض الفلاسفة التي أدت بهم إلى التطرّق لمسارات مُظلمة بدلًا من الإتجاه إلى النور، ولو نظرنا إلى تاريخ الفلسفة لوجدنا أن كثيرًا من الفلاسفة لديهم إرث ديني ومعرفة قويِّة بالدين، حيثُ بدأت الفلسفة الإسلاميّة المبكّرة مع "يعقوب بن اسحاق الكندي" في القرن الثاني من التقويم الهجري (أوائل القرن التاسع الميلادي) وانتهت مع "ابن رشد"  في القرن السادس الهجري (أواخر القرن الثاني عشر الميلادي)، وتزامن ذلك -على نطاق واسع- مع الفترة المعروفة بعد الفتوحات الإسلامية بإسم العصر الذهبي للإسلام. 

ولقطع الشك باليقين؛ أن أساس الفكرة الخاطئة عن تناقض الدين مع الفلسفة مبني على الفهم الخاطئ في المقام الأول، حيث أن الدين يبعث على السعي إلى الحقيقة وفي الجانب الآخر الفلسفة هي تلك العين الثاقبة التي تنكر الأشياء حتى تثبتها حقًا ، تبعًا لكل ما انتهجهُ الفلاسفة الذين كتبوا في الدين وبعد رؤية إنجازاتهم المحققة، نستطيع القول بأنه لا تعارض بين كل من الفلسفة والدين، حيثُ أنهُ لم يمنعهم في الإضافة لعلم الفلسفة من ناحية دينية مع الحفاظ على نظرتهم المحايدة، طالما لم تُخل الفلسفة بالأركان والأُسس الدينية المقدسة في المجتمعات.