جمـــاد
حصة العريعر
هل تستطيع أن تحب ساعة؟ كلمة؟ سيارة؟ ربما من المضحك الإشاداة بأن الجمادات قابلة للحب في حين أنها مجرد جمادات، لكن ماعلاقة عرب البادية بالتعلق في الجمادات؟
قرأت مرة بيتاً للشاعر "طير الهزيمي"
قال فيه " ماهوب على شانك على شان راعيك
بديت أكن الك الغلا وأنت وايت"!
أيستطيع رجل عاقل أن يكن مشاعرًا لصهريج مياه؟! في الحقيقة نعم، منذ نشأة الحب اعتاد العربي البسيط في البادية على الحب الفطري العفيف الذي لا يجاوز سور منزل جارهم أو اسم فتاةٍ تقربه بالدم، اعتادوا على التعلق في جماد يربطهم بالمحبوبة المجهولة(حتى لهم)
مثل ما ذكر الشاعر:
"أنا عشقتك قبل أعرفك على الصيت
يعني العلاقة قبل اعرفك وطيده
وعشان تدري أني بوصفك تنقيت
وأني أحب الشعر وأني أجيده؟
فل القصيده ثم غمض وخذ بيت
ولك مني أخليه بيت القصيده"
وكما قيل في أغنية “ عبادي الجوهر“
“ عشقتك قبل ماشوفك وشفتك صرت كلي حلم”
يستطيع الشخص أن يقع في علاقة غرامية تربطه بورقة بجريدة بخصلة شعر !!
ولكن حين يتعلق الموضوع بحب الشخص للحياة؟ يصبح جباناً!
في قانون البدوي، الجبان هو من يحب الحياة لخوفه من الموت، أما الشجاع هو من يبوح بحبه لمعشوقته، حيث أنني أحب جريدة جارنا سعد أو صخرةٍ تقبع أمام منزل عمي فهد، أو شجرة التوت التي في فناء منزل خالي سعود.
فحب الجمادات لا يتعلق بالجماد بحذ ذاته بل يتعلق بالمحبوبين الذين شاركوا تلك الذكريات، ولا يصح قول بأن من يسكن في كنف ذكريات"مجنون" فأنا لا أسكن في ذكرياتي ولكن أحب ناقة جدي، فالمشاعر للجمادات ترتبط وتتعلق باشخاص، سواء تعلق لمحبوب، أو تعلق لأهل أو رفقة، خصوصا من غادرونا منهم، يطول الحديث وتخبرني سعاد ابنة جارنا الأكبر أن أخاها يحب "نورالقمر” وابن أخيها يحب "لؤلؤ البحر”
رغم أن أخاها ينام مبكرًا ولا يتسنى له رؤية القمر، وابن أخيها لا يجيد السباحة ولا يحب الاقتراب من البحر، ولكنهم يحبونها لارتباطها بمن عرفوهم ولو على "الصيت"، وهنا لا أقف بمحل من يلقي اللوم، فالحب طابع فطري في الخليقة، واستشهد ببيت الشاعر:
"من شرب من سم لذات الغرايم
ماينفعه وصفة طبيب وصوت قاري"
مطحس بن حمد
فالحب طبيعة بشرية لا تسيطر عليها وقد لا تفرق بين من يهيم في حب جماد بمن يحب أحد ما، فالعلاقة هي نفسها، مع فرق الظروف والبيئة والعادات.
فماهي العلاقة بين حب الإنسان للجماد؟ ببساطة هي إنسان آخر…