ليلة هادئة
تحت
سماء الحوش
مها الغامدي
في ليلة هادئة تسللت فيها نسمات الهواء الباردة برفق، جلست على فرشتي التي أفرشتها على الأرض، لأتأمل السماء الحالكة الموشحة بالنجوم اللامعة، كان الليل يحيط بي بهدوئه، وكأنه يعانقني بسكونه العميق، يداعب قلبي بألحانه الصامتة التي لا يسمعها سوى من يغوص في تفاصيله، لم تكن هناك أصوات سوى حفيف الأشجار وهديل الحمام البعيد، وكأن الطبيعة كلها تنصت لموسيقى غير مرئية يعزفها الليل.
كانت تلك اللحظات أشبه بحلمٍ جميل، حيث يمتزج فيها جمال الليل بسحر الأحاسيس، ويتحول الهدوء إلى لغة تترجم كل ما يختلج في صدري من مشاعر دفينة.
كان قلبي ينبض ببطء، متناغمًا مع همسات الرياح الرقيقة التي تتخلل شعري وتداعب وجنتي، شعرت وكأن الليل يحكي لي قصصًا قديمة، عن الأمل المضيء وسط ظلام السماء.
بيدي كوب قهوة إثيوبية دافئة، وفي يدي الأخرى كتاب يأخذني في رحلة بين صفحاته، كلما هممت بالتوقف عن القراءة لأرتشف رشفة من قهوتي، كنت أفعل ذلك ببطء وتأنٍّ، وكأنني أبحث في كل رشفة عن اسم للطعم الذي أتذوقه، كان الطعم يتغير، أحيانًا يحمل مرارة تتناغم مع أحداث القصة التي أقرأها، وأحيانًا أخرى تكون الرشفة حلوة كمشهد سعيد بين السطور، وأحيانًا بلا طعم، وكأن القصة تقودني إلى فراغ شعوري لا أدري نكهته …
استمريت في قراءتي إلى أن غفوت، ونهضت بعدها وكأن الوقت قد توقف لحظة أمامي، نظرت إلى الفرشة التي على الأرض، ثم أخذت أضبط ملامح المكان قليلاً قبل أن أتوجه بخطوات هادئة نحو خزانة المستودع.
كان ممر الحوش مظلمًا قليلًا ….
فقط بعض ضوء الفجر يتسلل من بين مظلات سقف الحوش المفتوحة، في هذا الهدوء، كنت أشعر وكأن كل شيء يتحدث إليَّ بصمت، بما في ذلك الهواء الذي يمر حولي، تقدمت نحو الخزانة، وبينما كنت أفتح باب المستودع …
يأتي من الداخل، كأنه يهمس لي، وكأن هناك شيئًا بالداخل ينتظرني أن أفتح الخزانة!
سمعت صوتا خفيفا غريبا !!!
لم أتوقع أن أجد شيئا ما يختبئ هناك!!
كان كائنًا صغيرًا جدًا، يلمع كالنجوم،
وكأن ملامحه مأخوذة من عالم الفضاء.
كانت عيناه اللامعتان تشعان بالفضول، وجسمه صغير وناعم وكأنه مصنوع من ضوء متناثر، شعرت كما لو أنني دخلت في بُعد آخر، حيث الكائنات الفضائية موجودة بيننا، ولكنها تختبئ في الزوايا المظلمة.
لم أستطع سوى أن أبتسم بدهشة، فقد كان هذا اللقاء الغريب يثير الفضول، وكأنني دخلت في مغامرة جديدة لم أتوقعها أبدًا …
قلبتُ ناظري بسرعة، وكأنني أتأكد من أنني لا أعيش في حلم، لكن الكائن كان هناك، يتحرك ببطء، يحدق فيَّ وكأنه يترقب رد فعل!
اقتربت ببطء من الكائن الفضائي …
بينما كان يواصل النظر إليَّ بعينيه اللامعتين. شعرت بشيء من الغرابة، لكن فضولي كان أقوى من أي شعور آخر. أعدت سؤالي مرة أخرى بصوت هادئ: "أهلاً، من أنت؟"
لم أكن متأكدة من إجابة هذا الكائن السؤال، لكن لحظات من الصمت تخللت المكان،
.. ثم حدث شيء غريب ..
بدأ الكائن في إصدار صوت خفيف، يشبه الهمسات أو الهمسات المتناغمة، وكأن الصوت نفسه يحمل في طياته كلمات غير مفهومة، لكنني شعرت بشيء مألوف في تلك الأصوات.
أجاب بصوت منخفض: ميمو .. ميمو ..
لم أكن أعرف ماذا يقصد ببادئ الأمر، ولكن، ربما كان يقصد اسمه ميمو!
عندما قلت "ميمو"، لاحظت الفرح في عينيه على الفور، ابتسم وكأنني أخبرته شيئًا مهمًا،
انقضَّ عليَّ في حركة غير متوقعة، كأنه يريد الاحتفاظ بي في تلك اللحظة، لكنني تمكّنت من مسكه بسرعة، في تلك اللحظة، وقعنا معًا على الأرض، بينما نظر هو إلى السماء كما لو أنه وجد فيها شيئًا جديدًا، شيئًا لم يكن قد رآه من قبل …