هل الذكاء يعني النجاح ؟
هل ممكن أن يتفوق المجتهد على الذكي؟ أو بشكل آخر، هل الذكاء لا يعني التفوق في أي مجال كان؟ هل الذكاء مكتسب أكثر من أنه فطري؟ أو العكس؟
خالد الشيباني
بادئ ذي بدء، حتى أستطيع الإبحار في سؤالك سأحتاج أن أطرح سؤالًا أهم: ما هو تعريف الذكاء؟سأدرج تعاريف بعض العلماء للذكاء ثم سأعرفه بمنظوري الخاص:
“الذكاء هو قدرة الفرد على استخدام المعرفة والمهارات لحل المشكلات، وتكييف السلوك مع الظروف المتغيرة، والتعلم من الخبرات، وتحقيق النجاح في مجموعة متنوعة من المهام العقلية.”
إدوارد ثورنديك
الذكاء هو القدرة على التفكير بطريقة موجهة نحو الهدف، والتعلم من الخبرات، وحل المشكلات بطريقة فعالة وإبداعية، وتكييف السلوك مع البيئة الاجتماعية والثقافية.”
روبرت ستيرنبرغ
الذكاء يشمل القدرة على فهم الأفكار المعقدة، والتعلم من الخبرات، وتكييف السلوك مع البيئة، وحل المشكلات بفعالية، واستخدام المعرفة بشكل مبتكر.”
هوارد غاردنر
“الذكاء هو مجموعة متعددة الأبعاد تشمل القدرة على التعلم، والتفكير النقدي، وحل المشكلات، والإبداع، والتفوق في مجالات متنوعة من الحياة.”
ليندا غوتفريدسون
هذه التعاريف توضح جوانب عدة من الذكاء، بما في ذلك القدرة على التعلم، والتفكير، وحل المشكلات، والتكيف مع البيئة، والإبداع.
وبناءً على كلامهم فإن الذكاء لا يولد به المرء فطريًا، ولكن مكتسب.
بالنسبة لي، فلا أختلف كثيرًا مع التعاريف السابقة، ولكنني سأستطرد في منظور آخر وأسلط الضوء على فكرة قرأتها في مقال يتحدث عن دماغ أينشتاين الذي تم تشريحه في عام 1955م. حيث أكتشف الطبيب الذي شرح رأس أينشتاين أن دماغه يبدو مختلفٌ نوعًا ما. فالطبيب الذي قام بالتشريح وجد أن دماغه كان وزنه أكثر من الشخص الطبيعي بنسبة 30٪، وكان أكثر ما أدهشه هو زيادة التعقيدات في الدماغ مقارنة بالشكل الطبيعي. ويفسر بعض العلماء أن بنية دماغه ما هي إلا نتاج عمله الدؤوب من خلال القراءة والتفكير المستمرين ومحاولة حل المشكلات بكثرة، وكذلك يعتقد أنه ربما كان هكذا منذ الولادة، ولكن تكثفت التعقيدات الدماغية وتحققت من خلال عاداته الإيجابية مثل القراءة والتفكير وغيرها فحافظ عليها تضمر بسبب عدم إهماله لهذه العادات.
خلاصة القول: أن الذكاء يكون فطريًا، فقد يولد البعض بذكاء مفرط منذ الصغر، ولكن لا تحزن، فلا يعني هذا أن القطار قد فاتك ويمكنك تعويض الأمر بعض الشيء، فالدماغ يتطور ولكنه يحتاج منك صرامة وجدًّا حتى تطوره، ولا تعتقد أن النتائج ستظهر في ليلة وضحاها.
هل الذكاء يعني التفوق في أي مجال؟
على العكس تمامًا، الذكاء ورقة رابحة، ولكنه لا يضمن النجاح دائمًا فالذكاء، رغم أهميته، ليس العامل الوحيد الذي يحقق التفوق. كما أشرت سابقًا، يمكن تطوير الذكاء إلى حد معين، ولا يقتصر فقط على ما يولد به الإنسان. بعض الدراسات تشير إلى أن الإبداع يبلغ ذروته في السنوات الأولى من عمر الطفل، ثم يقل تدريجيًا مع الوقت. السبب في ذلك يعود إلى أن الإنسان في سنواته الأولى يكون في مرحلة اكتشاف العالم من حوله، مما يدفعه لاستخدام قدراته العقلية بأقصى طاقتها، فتتطور بشكل ملحوظ. لكن مع مرور الوقت، وبسبب إهمال بعض العادات التي تنمي العقل، قد يتراجع هذا التطور.
أرى أن الذكاء مرتبط بشكل وثيق بالإبداع، التفكير، والقدرة على حل المشكلات، ويزدهر متى ما ركز الشخص على تنمية تلك المهارات. بمعنى آخر، أنت من يحدد إذا كنت ذكيًا أو لا. وأستدل هنا بقصة توماس إديسون، الذي طُرد من المدرسة بسبب ما اعتبروه “شديد الغباء” لكن والدته دعمته وأخفت عنه الحقيقة، ولم يعلم بالأمر إلا بعد أن حصل على 1093 براءة اختراع. الحدود الوهمية التي تضعها لنفسك هي ما تقيدك وتمنع تقدمك.
أما فيما يخص التفوق في كل مجال، فهناك عوامل متعددة تلعب دورًا ولا يقتصر الأمر على الذكاء وحده، قد يساعدك الذكاء في اختصار الطريق، لكنه ليس كافيًا وحده، النجاح يتطلب السعي والمثابرة، وأنت من يصنع هذا الطريق بنفسك.
في الختام، يمكن القول أن الذكاء ليس العامل الوحيد للتفوق والنجاح. ورغم أنه قد يختصر الطريق في بعض الأحيان، إلا أن الاجتهاد والمثابرة هما ما يحددان النهاية. الذكاء، سواء كان فطريًا أو مكتسبًا، يمكن تطويره وتنميته عبر الاهتمام بالعادات التي تغذي العقل وتدفعه نحو الإبداع والتفكير النقدي. لكن في نهاية المطاف، التفوق في أي مجال يتطلب مزيجًا من الذكاء، الاجتهاد، والتفاني في العمل. أنت من يصنع طريق النجاح، والحدود التي تضعها لنفسك هي ما قد يقيدك أو يدفعك إلى تحقيق أهدافك.