فن إحتواء العلاقات
خالد الشيباني
الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، ولا غنى له عن التفاعلات الاجتماعية مع الناس؛ بل قد تتأثر حياته إذا ترك أبسط أنواع الاختلاط البشري مع محيطه وما حوله. وكما ذكر ابن خلدون في مقدمته لعلم الاجتماع: “الإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه”.
لذا، حتى تُثمر تفاعلات الإنسان البشرية، عليه أن يتمكن من استخدام المهارات الاجتماعية؛ فبدونها قد يُعرِّض نفسه للنبذ الاجتماعي. وفي فقرة إثراء هذا اليوم، سأذكر أهم المهارات التي تعينك على تنمية روابطك الاجتماعية وتقوية أواصر علاقاتك مع الآخرين.
الاستماع الفعّال:
يُقصد به حسن الإنصات لمن يحادثك، بأن تعي ما يُقال وتُبدي اهتمامك له دون انشغال؛ فتسمعه بكل جوارحك، ولا يمر حديثه من خلالك كأن صاحبه لم يتكلم.
السلام، المصافحة، والسؤال عن الحال:
كثيرًا ما أرى من شباب هذا الجيل عدم الإلمام بالردود العامة أو حتى الطريقة المقبولة للمصافحة، وحتى عندما يقابل مجموعة في مناسبة يبتلع الفتى لسانه فيلفظ السلام كأنه يحاول إخراج الكلام من صدره. الأمر ليس علمًا صاروخيًا ولا محاولة شطر الذرة، بل هو أبسط بكثير، لكنه يتطلب ممارسة هذه المهارة الضرورية التي تترك لك انطباعًا عند الآخرين. كذلك، من الضروري أن تسأل من حولك عن أحوالهم ولو من باب المجاملة واللباقة؛ ولا تكن أخرسًا تحدق في الآخرين فقط، حتى ولو اقتصر السؤال على من عرفت (أضعف الإيمان).
الصدق، ثم الصدق، ثم الصدق:
قالت العرب: “خصلتان للرجل ما إن وجدتهما فيه فلا تزوجه ولا تصاحبه: البخل والكذب”. فيا عزيزي القارئ، ابتعد عن الكذب؛ فالكذبة ستظهر حقيقتها عاجلًا أو آجلًا لا محالة، وحينها أؤكد أن مكانتك عند الناس ستتلاشى.
التغاضي:
كما قالت العرب: “إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه، فالتمس له العذر سبعين مرة”. وقالت كذلك: “التغاضي تسعة أعشار المروءة”. وقيل أيضًا: “التغاضي زينة العقلاء وسمة النبلاء”. الإنسان في علاقاته معرّض لأن يرى ما يسوؤه، وتجنب هذا هو طلب المحال، فحتى المرء يرى ما يكره في أعز الناس لديه. ولكن من باب درء المشاكل ونبذ المشاحنة، ضع التغاضي نصب عينيك واجعله طبعك في سفاسف الأمور؛ فالتغاضي زينة العقلاء وسمة النبلاء.
ختامًا ،فلم يا عزيزي القارئ، حريٌّ بك أن تدرك أن تكوين العلاقات ليس وصفة سحرية ولا تحتاج إلى خطوات معقدة، بل تكمن الصعوبة في استدامتها. فرغم ما قد يبدو من صعوبة ديمومة العلاقات البشرية، فإن الحفاظ عليها لأطول وقت ممكن ليس بالمستحيل، فكما يقول العقاد في كتابه عبقرية محمد: "إن الألفة بين الناس لا تقوم على الظواهر، بل على التفاهم العميق الذي ينبع من صدق النية."